شعر الدعوة الإسلامية
شعر الدعوة هو ذلك الشعر الذي خدم به أربابه الإسلام قولاً وعملاً واعتقادًا، وليس من الضرورة أن يصرح بذلك فيه وإنما المقصَود أن يتضمن الشعر من الفكر الإسلامي النقي ما يتضمن وأن يبعد عن الإسفاف والسقوط الفكري والأخلاقي، ولقد بدأ شعر الدعوة من عهد النبوة وقوى حين انتصب في ميدانه ثلاثة فحول من شعراء النبي صلى الله عليه وسلم هم حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهم أجمعين.
واتصلت أسباب شعر الدعوة بحياة العرب المسلمين، وإن كانت تقوى حينا وتضعف حيناً آخر، حتى جاء العصر الحديث فجدَّتْ أسباب جعلت شعر الدعوة يقوى ويتسع ميدانه، وأهمها:
أ- أول مظهر من مظاهر حياة شعر الدعوة يتجلى في أثر دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب، ذلك الأثر الذي نشهده في شعر الشيخ حسين بن غنام، ثم من تبعه من الشعراء.
ب- وبدأ الضعف يدب في كيان الدولة العثمانية، وأحس الناس ضعفهم الفكري إلى ما بهم من ضعف سياسي واقتصادي، فصاروا يتلفتون حولهم بحثا عن مصادر القوة الروحية والمادية، فنشط نَظْم العلوم والفنون، ومدح النبي صلى الله عليه وسلم والحث على التزام دينه ونصرته.
جـ- وفي النصف الأول من القرن الرابع عشر للهجرة قوى اتصال العرب بالعالم الغربي، فظهر لهم ما يضمره أعداء الإسلام من كيد ودس على الإسلام والمسلمين، لأنهم يبصرون في الإِسلام القوة التي تهدد كيانهم، فصاروا يكيلون التهم له ولدعاته، فوقف الشعراء يصدون باطلهم وينقضون أقوالهم حجة بحجة، وبينة ببينة ومن هؤلاء الشعراء محمد العيد الخليفة، وأحمد محرم وأمثالهما.
د- ومما حرص عليه أعداء الإسلام تشويه سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأعماله واتهامه بمثل قولهم إنه دموي نشر دعوته بالسيوف والرماح، فدفع ذلك الشعراء إلى الإكثار من مدح النبي صلى الله عليه وسلم، وبيان ما في أخلاقه من سمو وفضيلة، وما في سياسته من حكمة وحنكة، وبيان أنه وحمة من الله تبارك وتعالى وتسديد منه لأفعال النبي صلى اللّه عليه وسلم وأقواله لكونه معصوما لا ينطق عن الهوى، وأكثر ما يتجلى هذا الفكر القويم فيما نظم محرم، وشوقي، ومحمد حسن فقي، وأمثالهم من الشعراء الذين مدحوا النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا على بصيرة في قولهم.
هـ- كثر اختلاط العرب بالإفرنجٍ ، وانضم إلى هذا آثار الحربين العالميتين، فخلفَ ذلك خللًا اجتماعيا كبيرا نتج عنه شيوع المفاسد والانحلال الخلقي، حتى صار فعل الكبائر من الأمور المألوفة لدى كثير من الناس، وجهر بعض المثقفين ثقافة غربية بالمناداة بالمنكر، كسفور المرأة مثلًا فقام كثير من الشعراء في وجه هذا الفساد يحاولون صده وصرف الناس عنه، وأكثرهم حديثاً في هذا: محمود غنيم، وأحمد محرم، ثم حافظ وشوقي، وغيرهم كثيرون، على أنهم في قضية السفور قد انقسموا ثلاث فرق: فريق أنكره لأول وهلة إنكارًا شديدا وراح يدعو إلى محاربته، وخير من يذكر في هذا أحمد محرم. وفريق ترددوا يؤيدونه حينا بتحفظ وينكرونه حيناً آخر، ومن هؤلاء شوقي، وحافظ، ومحمد حسن عواد. أما الفريق الثالث فكان موقفهم موقفاً مؤيداً للسفور وفي المقدمة من هؤلاء معروف الرصافي.
وعلى أي حال فإن شعر الدعوة في العصر الحديث قد اتسع ميدانه حتى شمل نَظم العلوم والفنون، ومدح النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث عن المناسبات الدينية، كرمضان، والحج والهجرة النبوية، الدفاع عن الإسلام وبيان محاسنه وصد هجمات أعدائه، ومحاربة الفساد والرذيلة، والدعوة إلى الأخلاق الفاضلة النبيلة ثم المفاخرة بأمجاد الإسلام السالفة، وأكثر ما يتجلى هذا الأخير عند محرم وشوقي، وعبد الله بن خميس، ومما يلحق بذلك الحديث عن المعالم الإسلامية الشهيرة كالكعبة المشرفة، والبيت الحرام، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة، والأزهر.
وأكثر ما يتجلى هذا في شعر شوقي، وأحمد إبراهيم الغزاوي وحسن القرشي، ومحمي عارف وأمثالهم كثير