بسم الله الرحمان الرحيم : والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
مـــوضــوع : تــشــغــيل الأطــفال
يعتبر تشغيل الأطفال من الظواهر التي تستدعي المحاربة الفورية.
لما يمثله من إضرار بمستقبل الأجيال. ويتراوح عدد الأطفال
المشغلين في المغرب ما بين 600 ألف حسب المصادر الرسمية،
ومليونين حسب تقديرات الأخصائيين. أما الأسباب فهي واحدة:
الفقر الذي تعاني منه مئات الألاف من الأسر المغربية، سواء في
القرى والبوادي، أو في أكبر المدن وأكثرها تحضرا.
"كان النجار يضربني ويعاقبني بعنف، ويجعلني أعمل دون توقف
ومن غير أجر، لأن أجرتي يتسلمها زوج خالتي مقابل أن آكل
وأبيت في بيته. وذات يوم قطعت إصبعي (السبابة اليمنى) بآلة
النجارة فأخذني إلى المستشفى وكذب على الطبيب ولم يقل له
الحقيقة. قال له فقط إنه ابني وقد سحقت إصبعه صخرة كبيرة...".
لا يسع كل من يقرأ هذه الشهادة إلا أن يتخيل صاحبها شخصا
بالغا، لكنها في الحقيقة ليست إلا لصبي لا يبلغ من عمره سوى
أحد عشر عاما، اسمه "جمال".
يقول الطفل "جمال" بأنه تعرض للظلم والاستغلال في سن مبكرة
على يد زوجة أبيه، مما اضطره إلى الفرار نحو المدينة.
ويسترسل كلامه قائلا: "قدمت إلى المدينة هاربا من الدوار وجئت
عند خالتي في الدار البيضاء. عملت في البداية مساعدا لزوج
خالتي في الخياطة، لكنني لم أستمر معه أكثر من شهر لأنه كان
يضربني ويعاقبني بشدة لأتفه الأسباب. لذلك هربت منه وعملتُ
ماسحا للأحدية وبائعا للسجائر.. وكنت أمضي النهار في الشوارع
والأزقة وأقضي الليل مفترشا الكارطون فوق أعشاب الحدائق. إلى
أن فاجأني زوج خالتي وأمسك بي ثم أخذني إلى نجار يعرفه لكي
يعلمني صنعة (تنجارت)".
وكان في اعتقاد جمال أنه سينتقل من الجحيم إلى النعيم بنزوحه
من البادية إلى المدينة، إلا أنه وجد نفسه يقوم بأعمال شاقة لا
يقدر عليها سوى البالغين، وفي سن كان من المفروض أن ينعم
فيها بكامل حقوقه في اللعب وتحصيل العلم. وكان من حقه أن
يحظى بالحماية لكونه صغيرا ومستضعفا كما ينص على ذلك
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فان للطفل الحق في رعاية
ومساعدة خاصتين. وكما جاء أيضا في ديباجة اتفاقية حقوق
الطفل "فإن الطفل، بسبب عدم نضجه البدني والعقلي، يحتاج إلى
إجراءات وقاية ورعاية خاصة، بما في ذلك حماية قانونية مناسبة،
قبل الولادة وبعدها".
يُعرّف تشغيل الأطفال بأنه كل شكل من أشكال النشاط الاقتصادي
الذي يمارسه أطفال، والذي يحرمهم من كرامتهم ويضرّ بنموهم
الطبيعي والجسدي والنفسي. ويرتبط عمل الأطفال –في جميع
الأزمنة- أساسا بفقر الأسر، فبعض الآباء يدفعون أبناءهم إلى
العمل من أجل تحسين أوضاعهم الاجتماعية، كما هو الشأن
بالنسبة للصبي "عبد الرحيم" ذو التسع سنوات، الذي لم يستطع
والداه أن يوفرا له الجو المناسب ليتابع دراسته، مما اضطره إلى
أن يوقف دراسته ويخرج للعمل من أجل مساعدة والده في توفير
متطلبات وحاجيات الأسرة. عبد الرحيم يعمل الآن في مقهى
شعبي، ويشعر بالظلم و "الحكرة" كلما رأى أقرانه يمرون من
أمامه يبتهجون وينعمون بالسعادة وهم خارجون من المدارس، في
الوقت الذي يظل هو يغسل الأواني طيلة النهار. ويحلم بأنه عندما
يكبر ويتزوج أن ينجح في تمتيع أبناءه بكل ما حُرم منه هو في
طفولته بسبب الفقر.
ولكن، هل الفقر دائما هو السبب في ظاهرة تشغيل الأطفال؟
هناك أسباب أخرى عندما تتضافر مع الفقر، فإنها تشجع عمل
الأطفال. مثل تعدد الأطفال في الأسرة، فهذا عامل يقف حجر عثرة
أمام بعض الآباء للتحكم في تربية الأطفال وتوفير ظروف تساعد
على تمتيعهم بكافة حقوقهم.
كما أن فشل الطفل في الدراسة قد يجعل أبواه يدفعانه إلى العمل
مرغما تحت ذريعة امتناعه عن المتدرس. مثلما حدث للقاصر
"رضوان" الذي يعمل في ميدان البناء وعمره لا يتعدى اثنتا عشرة
سنة. يقول: "طردت من القسم الإبتدائي الأول لأنني كررت فيه
ثلاث سنوات متتالية، فأتى بي والدي لأعمل معه في (تبنايت)".
ويسترجع رضوان ذكرياته بنوع من الأسف والندم . يتأسف لأنه
لم ينجح في الاستمرار في الدراسة، ويشعر بالندم لأنه اضطر إلى
العمل في سن جد مبكرة.
أما الأسباب الأكثر مساهمة في هذه الظاهرة فتعود إلى تفكك الأسر،
فكثير من الأطفال يجدون أنفسهم بلا مأوى ولا معيل بسبب الطلاق
أو اختفاء أحد الأبوين أو وفاته.. مما يضطرهم إلى الاعتماد على
أنفسهم وعمل أي شيء مقابل العيش (مثل حالة جمال السالفة الذكر).
وهناك عامل آخر يساعد على تفاقم هذه الظاهرة، وهو تفضيل اليد
العاملة الصغيرة في بعض النشاطات، مثل الراعي (أو السّارح) في
البوادي، و "المتعلم" الذي يساعد الخياط أو النجار أو البقال أو
باقي الصناع التقليديين.. حيث يشترط هنا في "المتعلم" أن يكون
صغير السن ليتمكن من تعلم الحرفة بشكل معمق، على اعتبار أن
"التعلم في الصغر كالنقش على الحجر".
وليست كل الأعمال مضرة بالأطفال، فبعض الأطفال يسهمون في
مهام منزلية ويساعدون آباءهم في بعض الأعمال بدون أن ينال
ذلك من تمدرسهم ونموهم الجسدي والنفسي. كما أن هناك شبابا
آخرون تترواح أعمارهم بين 15 و 18 سنة يعملون بطريقة
مشروعة تماماً، والظروف التي يعملون فيها مطابقة لسنهم
ولدرجة نضجهم ولا خطر منها على نموهم العادي.
أما الأشكال الغير مقبولة من تشغيل الأطفال فتدخل ضمن فئة العمل
"الغير مرغوب فيه" عندما يشكل بسبب طبيعته أو مدته عائقا أمام
تمدرسهم، أو يكون ضاراً بصحتهم وبنموهم.
ومن الفئات الكبرى لعمل الأطفال التي يجب إلغاؤها نظراً لطبيعتها:
- الأعمال المنجزة من قبل أطفال تقل أعمارهم عن الحد الأدنى
المحدد لهذا النوع من الأعمال.
- الأعمال الخطرة التي من شأنها الإضرار بالصحة الجسدية أو
العقلية أو بأخلاقية الأطفال دون سن 18 سنة.
يوجد في العالم ملايين من الأطفال كلهم مجبرون على العمل،
وتبين التقديرات العالمية بأن 211 مليونا من الأطفال بين سن 5
و 14 سنة على امتداد العالم يمارسون نشاطا اقتصاديا. من هذا
العدد، 186 مليونا من الأطفال يمارسون نشاطا اقتصاديا يعتبر
شكلا من أسوأ أشكال العمل. 141 مليونا من المراهقين بين سن
15 و 17 سنة يمارسون نشاطا اقتصاديا. من بين هذا العدد 59
مليونا مكرهون على عمل يدخل في عداد أسوأ أشكال عمل الأطفال.
أما في المغرب، فليست هناك معطيات وإحصاءات دقيقة وشاملة
فيما يتعلق بظاهرة تشغيل الأطفال. لكن، من الملاحظ أن هذه
الظاهرة تنتشر ببلادنا بشكل ملفت للنظر خاصة في الأحياء
الشعبية والهامشية من المدن و في البوادي...
ومن خلال ما جاء في التقرير الوطني حول تشغيل الأطفال، أتضح
أن هناك أكثر من نصف مليون طفلا تترواح أعمارهم بين 7
سنوات و 14 سنة، يعملون في مجالات مختلفة. نسبة 88% من
هؤلاء يعملون في المناطق القروية، وأن أكثر من نصف إجمالي
العدد من الفتيات .
وتختلف هيكلة الأطفال –في المغرب- حسب نوع النشاط تبعا
للجنس وتبعا للوسط السكاني. إذ بلغت نسبة الأولاد من العدد
الكلي للأطفال العاملين % 58 فيما بلغت نسبة الفتيات % 42.
وعلى أساس الوسط السكاني، يلاحظ أن هناك ميل للأطفال من
الوسط القروي للجوء إلى العمل، على حساب التمدرس، بالمقارنة
مع الأطفال في الوسط الحضري. فقد بلغت نسبة الأطفال القرويين
في العمل % 19، مقابل % 13 في الوسط الحضري.
ومن أهم الحلول المقترحة لمعالجة ظاهرة تشغيل الأطفال والحد
من استغلالهم، مواجهة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي
تؤثر سلبا على وضعية الأطفال، وذلك بتعميم وإلزامية الالتحاق
بالمدارس إلى سن العمل، وبتحسين مستوى عيش الأسر وتقديم
المساعدة للأحداث القاصرين الذين يواجهون صعوبات في العيش،
ومحاربة الأمية ومراجعة العادات والتقاليد التي تعوق التمتع
الكامل بحقوق الطفل